ودعونا نقرأ الحديثين التاليين لنتعرف أكثر على هذين النوعين ولنعرف هل حبنا لأبنائنا حبٌ حقيقي أم نرجسي .
سمع أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [ كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنكِ وقالت الأخرى إنما ذهب بابنكِ أنتِ فتحاكمتا إلى داوود فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داوود فاخبرتاه فقال : ائتوني بالسكين اشقه بينهما . فقالت الصغرى : لاتفعل يرحمك الله هو ابنها ,, فقضى به للصغرى ] .
لن نقف عند هذا الحديث كثيراً لأنه واضح وضوح الشمس و أوضح مافيه أن الأم الحقيقية وهي الصغرى رضيت أن يؤخذ ابنها منها طالما أنه سيبقى حيّاً سليماً ، وذلك من شدة حبها لها وخوفها عليه ولو أدى ذلك الإبعاد إلى حزنها الشديد .
لقد ضحت هذه الأم بوجود ابنها معها في سبيل مصلحته الكامنة في بقائه على قيد الحياة ، وهذا بالطبع ما تريده كل أم .
حب الأم في تسميته كالشجرة تغرس من عود ضعيف ثم لاتزال به الفصول و آثارها و لاتزال تتمكن بجذورها وتمتد بفروعها حتى تكتمل شجرة بعد أن تفني عِداد أوراقها ليالي وأيام .
هذا عن الحب الحقيقي .
أما الحب النرجسي فنرى مثلاً جليّاً له بسلوك فرعون مع موسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . قال فعلتها إذاً وأنا من الضآلين . ففرتُ منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين . وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبدّتَ بني اسرائيل }
والملاحظ أن فرعون استخدم أسلوب كشف الحساب حين قال لموسى { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . }
إن الحب الفرعوني حب نرجسي واضح المعالم ، حبٌ يعتمد على المن و الأذى وما أراد أن يقوله فرعون لابنه هو بالضبط ما يقوله الكثير من الآباء و الأمهات لأبنائهم حين يتوقف الأبناء عن السير في أطراف الدوامة . عندها نسمع كلاماً من قبيل ... ألا تذكر مافعلته لك ؟ ألا تذكر أني حرمتُ نفسي من كثير من المزايا في سبيل تأمين ما تريده ؟ ألم أعطك من وقتي وعمري ؟ ياحسرتى على عمري وتربتي لك لو ربيتُ قطةً لكانت خيراً منك .
ليس بحبٍ إلا ماعرفته ارتقاءً شخصياً تعلو فيه الروح بين سماوين من البشرية وتبوح منها ،، كالمصباح بين مرآتين يكون واحداً فترى منه العين ثلاثة مصابيح ، فكأن الحب هو تعدد الروح في نفسها وفي محوبها .
ولنقرأ هذه الحادثة التي سطرتها لنا كتب التاريخ .. اشترى حكيم بن حزام زيد بن حارثة لعمته خديجة بنت خويلد فلما تزوج رسول الله بخديجة وهبته له فتبناه الرسول . فخرج أبو زيد وعمه لفدائه فلما وصلا لمكة سألا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذهبا إليه وخاطباه بلغة راقية جداً ، قالا : يا ابن عبد المطلب يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون الأسير و تطعمون الجائع و تغيثون الملهوف وقد جئناك في ابن لنا عندك فامنن علينا بفدائه فإنا سندفع لك في الفداء ما تشاء . قال رسول الله ومن هو ؟؟ فقالا : زيد بن حارثة . فقال عليه الصلاة والسلام فهلاّ غير ذلك . قالا: وماهو ؟؟ قال : أدعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فما أنا بالذي اختار على من يختارني أحداً . فقالا : قد زدتنا على النصف و أحسنت .
فدعاه و قال له هل تعرف هؤلاء ؟؟ قال : نعم . قال : من هذا ؟؟ قال : هذا أبي ومن هذا ؟؟ قال : هذا عمي .
فقال لزيد : فأنا من قد علمتَ فاخترني أو اخترهما . " ولم يقدم كشف حساب طويل. "
هذا الكلام مهم أيها الإخوة و الأخوات ، مهم جداً . لأنه يمثل مفتاح التربية بالحب.
قال زيد : ما أنا بالذي يختار عليك أحداً ، أنت مني مكان الأب والعم.
الحب الصحيح ليس له فوق ، و لايشبه من هذه الناحية إلا الإرادة الصحيحة فليس لها وراءٌ ولايمين ولا شِمال ، وماهي إلا أمام أمام .
** إذا غضبنا على أولادنا هل ندعو عليهم أم لهم ؟؟ وهذا معيار من معايير الحب .
** الحب يكون من الإنسان وهو في أحلك حالات الضعف تماماً كما يبدو والإنسان في أشد لحظات القوة .
إن من حق الجميع على أولادهم أن يبروهم أي أن يردوا جميلهم وصنيعهم و إحسانهم بإحسان . وإن لم يفعل ذلك الأبناء فقد خسروا خسراناً كبيراً .
ولكن لاينبغي التوقف عن الإحسان إليهم إذا أساءوا أو أخطأوا إن كنا نحبهم حباً حقيقياً .
لقد عرفنا الآن أيها الأحبة أنواع الحب و أهمية الحب و معيار الحب ،، ويبقى شيءٌ واحد لابد من معرفته وهو لغة الحب . فهل للحب لغة ؟؟
يقول الدكتور ميسرة وسائل التربية بالحب أو لغة الحب أو أبجديات الحب هي ثمانية ...
1- كلمة الحب ،،،، 2- نظرة الحب ،،،،، 3- لقمة الحب
4- لمسة الحب ،،،، 5- دثار الحب ،،،،،، 6- ضمة الحب
7- قبلة الحب ,,,,,,, 8- بسمة الحب
الأولى : كلمة الحب .
كم كلمة حب نقولها لأبنائنا ( في دراسة تقول أن الفرد إلى أن يصل إلى عمر المراهقة يكون قد سمع مالا يقل عن ستة عشر ألف كلمة سيئة ولكنه لا يسمع إلاّ بضع مئات كلمة حسنة ) .
إن الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي أحد نتائج الكلام الذي يسمعه ، وكأن الكلمة هي ريشة رسّام إمّا أن يرسمها بالأسود أو يرسمها بألوان جميلة . فالكلمات التي نريد أن نقولها لأطفالنا إمّا أن تكون خيّرة وإلاّ فلا .
بعض الآباء يكون كلامه لأبنائه ( حط من القيمة ، تشنيع ، استهزاء بخلقة الله ) ونتج عن هذا لدى الأبناء [ انطواء ، عدولنية ، مخاوف ، عدم ثقة بالنفس ] .
الثانية : نظرة الحب .
اجعل عينيك في عين طفلك مع ابتسامة خفيفة وتمتم بصوت غير مسموع بكلمة ( أحبك يافلان ) 3 أو 5 أو 10 مرات ، فإذا وجدت استهجان واستغراب من ابنك وقال ماذا تفعل يا أبي فليكن جوابك { اشتقت لك يافلان } فالنظرة وهذه الطريقة لها أثر ونتائج غير عادية .
الثالثة : لقمة الحب .
لاتتم هذه الوسيلة إلاّ والأسرة مجتمعون على سفرة واحدة [ نصيحة .. على الأسرة ألاّ يضعوا وجبات الطعام في غرفة التلفاز ] حتى يحصل بين أفراد الأسرة نوع من التفاعل وتبادل وجهات النظر . وأثناء تناول الطعام ليحرص الآباء على وضع بعض اللقيمات في أفواه أطفالهم . [ مع ملاحظة أن المراهقين ومن هم في سن الخامس والسادس الآبتدائي فما فوق سيشعرون أن هذا الأمر غير مقبول] فإذا أبى الابن أن تضع اللقمة في فمه فلتضعها في ملعقته أو في صحنه أمامه ، وينبغي أن يضعها وينظر إليه نظرة حب مع ابتسامة وكلمة جميلة وصوت منخفض (ولدي والله اشتهي أن أضع لك هذه اللقمة ، هذا عربون حب ياحبيبي) بعد هذا سيقبلها .
الرابعة : لمسة الحب .
يقول د. ميسرة : أنصح الآباء و الأمهات أن يكثروا من قضايا اللمس . ليس من الحكمة إذا أتى الأب ليحدث ابنه أن يكون وهو على كرسين متقابلين ، يُفضل أن يكون بجانبه وأن تكون يد الأب على كتف ابنه (اليد اليمنى على الكتف الأيمن) . ثم ذكر الدكتور طريقة استقبال النبي لمحدثه فيقول : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه على فخذيْ محدثه ويقبل عليه بكله } . وقد ثبت الآن أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات . فإذا أردتُ أن أحدث ابني أو أنصحه فلا نجلس في مكانين متباعدين .. لأنه إذا جلستُ في مكان بعيد عنه فإني سأضطر لرفع صوتي [ ورفعة الصوت ستنفره مني ] وأربتُ على المنطقة التي فوق الركبة مباشرة إذا كان الولد ذكراً أمّا إذا كانت أنثى فأربتُ على كتفها ، وأمسك يدها بحنان . ويضع الأب رأس ابنه على كتفه ليحس بالقرب و الأمن والرحمة ،ويقول الأب أنا معك أنا سأغفر لك ما أخطأتَ فيه.
الخامسة : دثار الحب .
ليفعل هذا الأب أو الأم كل ليلة ... إذا نام الابن فتعال إليه أيها الأب وقبله وسيحس هو بك بسبب لحيتك التي داعبت وجهه فإذا فتح عين وأبقى الأخرى مغمضة وقال مثلاً : ( أنت جيت يا بابا ) ؟؟
فقل له ( إيوه جيت ياحبيبي ) وغطيه بلحافه .
في هذا المشهد سيكون الابن في مرحلة اللاوعي أي بين اليقظة والمنام ، وسيترسخ هذا المشهد في عقله وعندما يصحو من الغد سيتذكر أن أباه أتاه بالأمس وفعل وفعل .
بهذا الفعل ستقرب المسافة بين الآباء و الأبناء .. يجب أن نكون قريبين منهم بأجسادنا وقلوبنا .
السادسة : ضمة الحب .
لاتبخلوا على أولادكم بهذه الضمة ، فالحاجة إلى إلى الضمة كالحاجة إلى الطعام والشراب والهواء كلما أخذتَ منه فستظلُ محتاجاً له .
السابعة : قبلة الحب .
قبّل الرسول عليه الصلاة والسلام أحد سبطيه إمّا الحسن أو الحسين فرآه الأقرع بن حابس فقال : أتقبلون صبيانكم ؟!! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم !! فقال له رسول الله أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك .
أيها الآباء إن القبلة للابن هي واحد من تعابير الرحمة ، نعم الرحمة التي ركّز عليها القرآن وقال الله عنها سرٌ لجذب الناس إلى المعتقد ،، وحينما تُفقد هذه الرحمة من سلوكنا مع أبنائنا فنحن أبعدنا أبناءنا عنا سواءً أكنا أفراداً أو دعاة لمعتقد وهو الإسلام .
هذه وسائل الحب من يمارسها يكسب محبة من يتعامل معهم وبعض الآباء و الأمهات إذا نُصحوا بذلك قالوا ( إحنا ماتعودنا ) سبحان الله وهل ما أعتدنا عليه هو قرآن منزل لانغيره .
وهذه الوسائل هي ماء تنمو به نبتة الحب من داخل القلوب ، فإذا أردنا أن يبرنا أبناءنا فلنبرهم ولنحين إليهم ، مع العلم أن الحب ليس التغاضي عن الأخطاء .